هل نحتاج إلى شعار لمجرد شعار أم عمل جامع؟
مصطفى محمد غريب
لا ندخل في تفاصيل الماضي المؤلم حرصاً منا على عدم نبشه ، ويقيناً أنّا نهدف لجمع الكلمة في موضوع يحتاج الدعم والتضامن لأنه قد يكون مثل هاوية عميقة لا قعر فيها ولا حدود وعند ذلك يندم الجميع ولكن لن ينفع الندم الذي من الممكن أن نتحاشاه أو نتحاشى أكثره، الماضي عندنا وعند عقلاء القوم دروساً قيمة لتجربة قد تنفع في رسم طريقاً مفعم بالأمل لبناء الحاضر أيضاً، والماضي نعني به التاريخ بوقائعه ونتائجه الايجابية والسلبية، الحاضر الحالي مع شديد الأسف مملوء بالفواجع والآلام والخسائر والهزائم والعداءات والتطاحن والفساد والمكائد والابتزاز بالإثم المخبئ تحت آباط البعض ممن ينتظرون الفرصة لكي ينقضوا على كل ما هو جميل ومفيد ولو انه قليل جداً، الحاضر الذي صنعوه بإتقان كل من الأمريكان وحلفائهم وآخرين في الخارج، وفي الداخل كل من الطائفيين والبعثيين والإرهابيين ليجعلوا البلاد جحيم لا قرار لها وأصبحت مصيبة على رأس أكثرية الشعب ومشكلة عويصة تجابه الوطنيين الخيرين الذين يسعون إلى الخلاص من ثلة قائمة على اللاعدل واللامساواة ، من ثلة ليس لها إلا التفرقة وزرع الشقاق والنفاق الطائفي بحجة الدين والأئمة الطاهرين ومقابلهم من الإرهاب المشبع بالقتل والتدمير وبالحجة نفسها وكلاهما عند قتل الإنسان يُكبر مثلما يُكبر الآخر والتكْبير منهم براء " كبراءة الذئب من دم بن يعقوب ".. هذا الحال المزري الذي أصاب شعبنا بكل طوائفه ومكوناته يدفع فيه الكادحين والفقراء وأصحاب الدخول الضعيفة الثمن باهظاً من دمهم ودم عائلاتهم ومن لقمة عيشهم المحفوفة بالمخاطر مما يجعل الحياة جحيماً، هذا الجحيم الموبوء بالأمراض الخبيثة وفي مقدمتها داعش والحرب الدائرة في ثلث البلاد منذ حوالي سنة والتي أزهقت آلاف الأرواح من المواطنين الأبرياء، ثم ما ترتكبه الميليشيات الطائفية من تجاوزات وقتل وترهيب وكأنها تريد الانتقام كما سماها نوري المالكي ( نحن جماعة الحسين وهم جماعة يزيد ) وهو يكيل الاتهام التحريضي بدل السلم الاجتماعي ، الاتهام الذي تقشعر منه أبدان كل الحريصين على الوحدة الوطنية، وكأنها حرب بين مكونين أساسيين يعيشان منذ مئات السنين بعضاً لبعض وبهم تداخلاُ عشائريا وعائلياً، حرب كنا نأمل أن لا تعود وتزهق أرواح المواطنين كحروب الطاغية السابقة، لكن هيهات كأنما الحدث التاريخي يعيد نفسه ولكن بنوعية وهدف متغير، فالطائفي يعتبر نفسه قيماً على الحسين (ع ) والإمام الحسين بريء منه لان الحسين عندما قام ضد الظلم وكان هدفه الإصلاح وتوحيد الكلمة بالضد من الباطل لم يكن طائفياً لأنه كان إماماً للمسلمين كافة ولم يكن في ذلك الوقت " لا سنة ولا شيعة "، لكن مرض الطائفية أوجد لخدمة المصالح الضيقة هو الغالب عند الطائفي المشبع بالحقد على وحدة الشعب العراقي من عرب وكرد وتركمان وكلدو آشوريين وغيرهم ومعه ثلته من الطائفيين، وهو داء عند التكفيريين والإرهابيين وفي المقدمة داعش، هم يصورون أنفسهم وكلاء عن الإسلام والإسلام بريء منهم.
صورة العراق معتمة ولكن فيها أنوار جميلة وساطعة قدر الامكان لتبيان الطريق وإنقاذه من الدمار ودعم الشعب المظلوم وهذا ما يفرحنا ويجعلنا نعيش الأمل بالعمل والتحريض على إنقاذ البلاد، ونحن على ثقة أن النور هو الذي سينير الطريق ويجلي الظلمة ويعم الخير والعافية، نعم فالمرحلة الراهنة كما كانت سابقاً تحتاج إلى تعاون واسع يؤدي إلى عمل جامع وهذا يقع على عاتق القوى الخيرة من وطنيين وديمقراطيين ومستقلين، وليس على عاتق جهة دون أخرى، على عاتق المخلصين من جميع المكونات الذين تهمهم مصلحة بلادهم وهم مستعدين لتقديم أرواحهم وأموالهم وكل غال ونفيس من اجلها، كما هناك حاجة ماسة لتخطي الخلافات ونذالات المحاصصة ولتوحيد الجهود في سبيل التخلص من داعش وعموم الإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة وهذا العمل ليس بالسهل فهو يحتاج لإعادة الثقة والتعاون ورفع الشعار الوطني بدلاً من إي شعار آخر وعدم استغلال الحق لتمرير الباطل.. الإرهاب والفساد والميليشيات وأصحاب الضمائر الخربة والتابعين الخاضعين للإرادة الخارجية هم أدوات المحرقة الحالية، أدوات جهنم القتل والتدمير يحملون رايات ليس لهم فيها مصلحة إلا مصلحة " كلمة حق يراد بها باطل " وما قاله السيد مقتدي الصدر دليل على القول هذا فقد عالج قضية الشعار من موقع المسؤولية مترفعاً ورافعاً اسم الإمام الحسين من التنابز والتأزم " فإن مثل تلك التسمية سيُساء فهمها لا محالة ولذا فيجب على كل محبّ للوطن ونابذ للطائفية عدم الاعتراف بتلك التسميات " كما انه يقف على طرف من قال أن الماضي المتأزم هو امتداد لحاضر متأزم وهو قمة التوظيف والتصنيف الطائفي بتسمية التعقيد الحاضر الذي من خلق أيديهم وكأنه الماضي بين ( الإمام الحسين العادل والظالم يزيد) " ما أجمل أن نتحلى بالروح الأبويّة " هو ما قاله مقتدى الصدر في هذا المجال، انه عين العقل، فالتحلي بالصفة الأبوية تحلي بالقيم الإنسانية ومبادئ وحقوق الإنسان ترفعاً على التفرقة والتقسيم المكتسب، ومن يتحلى بهذا الخلق سوف يكون نابذاً للتفرقة وجامعاً مُوَحداً الكلمة ومانح الحقوق لأصحاب الحق وحل المشاكل التي تواجه البلاد والجلوس في حوار اخوي بين الأطراف المختلفة في الرأي للخروج بموقف يستطيع التغلب على تلك المواقف العدوانية التي تريد الحرب الطائفية، وتريد الحرب مع الكرد، وتريد الحرب ليس بين المكونات فحسب بل حتى الحرب في المكون الواحد، وتريدها حرب لا تبقى ولا تذر لكي تملأ الجيوب بالمال العام الذي يسرق من فم المواطن العراقي، فهل يحتاج الحق إلى شعار قد يخلق بلبلة على الرغم من مصداقيته لكنه يُسْتغَلْ من قبل عديمي الوجدان لتمرير هدفاً للبلبلة وإضاعة الحق والطريق.. ولا يخفى على احد هدف انتقاد تبديل الشعار غير الحكومي بشعار حكومي فُطِنَ عليه بسرعة على الأقل من قبل الحريصين في الحكومة الحالية، لكن الأمر اختلف عند احد المنتقدين السياسيين وهو دكتور في الوقت نفسه لا نريد إشهار اسمه لأننا لسنا بصدد التشهير بل الانتقاد البناء، حاول هذا الإنسان تشويه المعنى وخلط الاوراق بالادعاء أن" من لديه اعتراضاً على اسم الإمام الحسين (ع) في المعارك ضد داعش ليس عراقياً ولن نعترف بعراقيته" هذا الخلط الغريب والعجيب مفهوم ومعلوم عند الأكثرية فقضية الإمام الحسين لا تتمثل بشعار يراد منه استغلال الاسم لمآرب أخرى ، والحسين أسمى من التلاعب باسمه لغرض معروف ولخلق الفتنة، ثم من يستطيع أن يقول للعراقي لا نعترف بعراقيتك لمجرد أن يختلف بالرأي، وهل يرضى هذا الدكتور أن يقال عنه لأنه يختلف بالرأي مع الآخرين " أننا لا نعترف بعراقيتك ما دمت تختلف معنا بالرأي وبالشعار ".. نقول بكل احترام وصراحة لا تخلط الاوراق يا سيدنا بقضية "نكسة حزيران العام الماضي التي تسببت في سقوط الموصل وتكريت وسقوط الأنبار في الأيام الماضية" فإذا كنت تريد الحق فحاسب من كان السبب من قادتك أولاً ولا تذهب بعيداً (لقطر أو إيران أو السعودية أو أمريكا أو إسرائيل!! ...الخ).
أن الكلمة والرأي الموحد والاتفاق الأخوي وإعادة الثقة وتحقيق المصالحة الوطنية التي هي بالضد من الذين تلطخت أيديهم المجرمة بدماء العراقيين، والشعار الجامع الصحيح هو المطلوب في المرحلة الحالية، مرحلة التخلص من داعش وكل أنواع الإرهاب السلفي والأصولي، والا لن تنفع كل المحاولات حتى أن كانت بالسلاح حسم المعركة إلى جانب الشعب! وإذا انتهت مرحلة داعش فليس هناك ضمان أن تكون داعش أخرى في الطرف الآخر لأنه مهيأ بالمال والسلاح والرجال والتدخل الخارجي وان " لناظره قريب " ونتمنى أن لا يحدث ذلك مثلما تمنينا سابقاً، والتمني " رأس مال المفلسين " لان العمل الجاد هو طريق النجاة للجميع وليفهم من يريد أن يفهم أن الأوضاع ليست بخير!.أما الذي يفهم ولكن لا يريد أن يفهم فذلك شأن جلل يصاب به وان تصنع البهل بالخداع.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire