في الذكرى السنوية الاولى لاجتياح الموصل واحتلالها
ارادة شعبنا ستهزم داعش ومشروعه الظلامي
حميد موسى
قبل سنة من الآن، في 10 حزيران 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل، ثم تمدد لاحقا الى محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى والانبار.
في مناسبة مرور عام على هذه الانتكاسة السياسية - الامنية، التقت "طريق الشعب" الرفيق حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، لتطرح عليه اسئلة عن هذا الحدث الفاصل في تاريخ العراق، وعن مواقف الحزب مما حصل، وآفاق معركة شعبنا ضد الارهاب وداعش. فكان الحوار الاتي:
كيف تقرأون ما حصل في انتكاسة حزيران واحتلال داعش للموصل؟
ما حصل هو كارثة سياسية، وجريمة كبرى ارتكبها داعش وحلفاؤه بحق الشعب والوطن، وهو من ناحية اخرى نتاج موضوعي لأزمة الحكم / النظام، ودليل قاطع على فساد منظومة المحاصصة الطائفية، وسوء ادارة الدولة وشؤون الحكم، وتفشي الفساد، وعلى عقم نمط التفكير السائد في العلاقات السياسية بين القوى المتنفذة، وهو في الوقت نفسه مؤشر على التأثيرات السلبية الكبيرة للتدخلات الخارجية متعددة المصادر في الشأن العراقي الداخلي.
وتشكل هذه النكسة تحذيرا، بل لعلها نذير شؤوم بان مستقبل العراق مهدد بالمزيد من الحروب الاهلية والطائفية، وباحتمالات التشظي والتمزق، اذا لم يتم تدارك الوضع باجراءات فعالة وعبر عملية تقييم عميقة وصارمة، لمسار وعيوب العملية السياسية في العراق، واذا لم يجر تفعيل الضغط الشعبي على الحكام والمتنفذين وسياساتهم.
نهج المحاصصة هو السبب
قيل الكثيرعن العوامل التي ادت الى ما حصل. ماذا تقولون انتم في هذا الشأن؟
كثيرة هي العوامل التي ادت الى ما حصل، وهي في الاساس عوامل داخلية، تتعلق اولا بمنهج الحكم وتركيبه وبناء الدولة على اساس البلاء الذي استمرأه المتنفذون، وهو نهج المحاصصة الطائفية الاثنية في تقاسم غنائم السلطة ومنافع الحكم والثروة، هذا هو الاساس ولب الموضوع، يضاف الى ذلك ضعف المؤسسة العسكرية وهشاشة بنائها وافتقارها الى العقيدة الوطنية وفساد الكثير من قياداتها، مما سهل اختراقها وتفككها. كذلك ما اتسمت به من غياب الانضباط، وحاجتها الى التأهيل المتواصل، وامتداد الشحن الطائفي اليها، كل هذا مهد بشكل طبيعي لانهيارها المدوي في اول مجابهة جدية.
ان عوامل الانهيار لا ترتبط باحداث يوم 10 حزيران فقط، فهناك تراكم للكثير من تلك العوامل: الفوضى التي تضرب اطنابها في ادارة شؤون الدولة، النظرة الضيقة وقصر النظر، التزمت وتجاهل آراء الآخرين.. هذه كلها كانت مؤشرات قوية على عدم قدرة الحكومة على معالجة المشاكل السياسية والاقتصادية الثقافية والفكرية، التي رافقت الاعتصامات الجماهيرية قبل 10 حزيران، والتي كانت بمثابة تمهيد وتهيأة واسعة لما حصل. فتجاهل المطالب المشروعة، والاصرار على النفس الطائفي، واستغلال ذلك من قبل العناصر الارهابية المعادية للمسيرة الديمقراطية، سهل سقوط الموصل ومكـّن داعش من احتلالها ثم التمدد حتى مشارف بغداد.
ولا يمكن تجاهل دور العلاقات المتشنجة بين الحكومة الاتحادية وقيادة القوات المسلحة في الموصل، مع الادارة المحلية في المدينة، والتي ساعدت على فتح ثغرات جدية في جدار التصدي لداعش، كما لم يكن اقل اهمية في اضعاف المواجهة مع داعش، التوتر في العلاقة بين السلطة الاتحادية واقليم كردستان وعدم التنسيق بينهما.
ولا يمكن ايضا تغييب التأثير السلبي للعلاقات الفاترة او المتشنجة او العدائية مع الدول الاجنبية، المتمثل في عدم الاستفادة من معطيات الاتفاق الامني العسكري مع الولايات المتحدة، حيث اتسم بالتلكؤ وعدم تنفيذ الالتزامات الخاصة بتزويد العراق بالمعلومات الاستخبارية والسلاح وغيرهذا، كذلك ما اثمرته العلاقات المتوترة مع تركيا والسعودية وقطر، ومع دول الخليج الاخرى، التي ساهمت بشكل فاعل في دعم المنظمات الارهابية، لوجستياً واعلاميا وعسكريا، بحجة او باخرى، مبررة ذلك بكونها تسند المعارضة في سوريا لاسقاط النظام هناك.
ولم يكن الاداء السيء للحكومة الاتحادية في ادارة شؤون الاقتصاد والقضايا الاجتماعية والاعلام والدعاية، اقل اهمية في التأثير السلبي على مجرى الاحداث، وعلى تهيأة العوامل التي مكنت داعش من تحقيق مآربه ومخططه الوحشي ضد عموم الشعب العراقي.
الحاجة ماسة الى ضغط جماهيري واسع
هل ترى وقد مر عام على الكارثة انه تم استيعاب دروسها، لا سيما من جانب من هم في موقع القرار؟
ان ما حصل من نكسة ونكبة لم يكن امراً محتوماً، او قدراً لا بد منه، بل هو نتاج للازمة العامة التي شملت الوطن وكل جوانب حياته، وعلى هذا فنحن ننطلق من حقيقة ان ما جرى كان يمكن تلافيه، وان مجتمعنا يمتلك ما يؤهله لمواجهة الكارثة ونتائجها، اذا ما احسن تدبير اموره، وسدد خطاه في الاتجاه السليم. وهذا ما لا يمكن ان يتحقق الا عبر استخلاص دروس الكارثة، واستيعاب العوامل التي انتجتها، وتهيئة كل ما من شأنه معالجة هذه الخطايا والاخطاء والجرائم، كي نستطيع دحر العدو وتحرير مدننا الاسيرة وايقاف الوحش عند حدوده، والتمهيد لاطلاق العملية الديمقراطية بروح جديدة وبمصداقية تامة.
ولا بد من القول صراحة انه لا يزال هناك عديدون ممن لم يتعضوا بالتجربة المرة لاحتلال الموصل، بل اننا نرى احيانا ان بعض مظاهر ما ساعد على نسج مؤامرات داعش ومن يقفون وراءها، ما زال قائماً هنا وهناك.
فاذا كان قد تحقق نجاح في تغيير طاقم القيادة السياسية - العسكرية السابقة، التي تتحمل المسؤولية السياسية والادبية عن الهزيمة على الاقل، فهذا لا يعني ان مفاصل الخطأ جميعا قد تم تلافيها وتجاوزها، وها ان استمرار المناطحات والمناكفات، وتأجيج عوامل الخصام، والتصارع العبثي، والتمسك بالامتيازات، وتوظيف ما جرى من اجل مجرد اعادة اقتسام المغانم، مع التشبث بالمكاسب السابقة، والاستمرار في تغليب المصالح الذاتية والحزبية الضيقة على مصالح البلد العليا، والاستمرار في الاستقواء بالقوى الخارجية.. كل ذلك يبين اننا ما زلنا بحاجة الى عمل جماهيري كبير ضاغط، لجعل الدولة والقوى السياسية تعتمد منهجاً صائباً وسليماً، قادرا على اعادة الامور الى سياقها الصحيح، وتهيئة المستلزمات الفاعلة لمواجهة داعش والتصدي لمشروعه التكفيري - الظلامي، واجتثاث جذوره وامكانية اعادة انتاجه بعد الانتصار عليه.
والمسؤولية في هذا تقع على عاتق كل القوى المتنفذة دون استثناء، وفي المقدمة منها الماسكون بالسلطة.
مطلوب الاقدام على اجراءات جريئة وشجاعة
لا شك ان تغييرات واسعة حدثت منذ ذلك اليوم المشؤوم، فهل ترانا نقترب من مراكمة عوامل الانتصار؟
نحن كحزب شيوعي، ومن موقع المسؤولية، لا نبخس قيمة بعض الاجراءات الايجابية التي اتخذت، لاعادة ترتيب وهيكلة اوضاع الحكم ومواجهة داعش. وقد أبدينا موقفاً ايجابيا من تشكيل الحكومة والتغييرات التي طرأت على تركيبتها، وما اعلنته عبر الوثيقة السياسية من توجهات للعمل. وقد كنا نعتقد وما زلنا، وبدون تفاؤل عاطفي او اوهام زائفة، ان توفير مستلزمات دحر داعش ومراكمة عوامل الانتصار عليه، بحاجة الى جهد استثنائي وجاد ومسؤول، والى تفعيل دور القيادة بارادة واضحة، جريئة، شجاعة، ووفقا لاستراتيجية متكاملة وجلية، ونقصد بذلك ليس فقط للتدابير العسكرية والامنية على اهميتها، والتي تتمثل في اعادة هيكلة الجيش، عقيدة وبناءً وتسليحاً وتدريباً ومن حيث التكتيك، ومن ناحية استخباراتية ايضا، وانما ايضا عبر تحريك وتفعيل كل جوانب المواجهة السياسية: تحسين وتطوير نهج المشاركة في صنع القرار السياسي، تطبيع العلاقات السياسية، نبذ الاحتراب والمهاترات والتصريحات الفجة والمقرفة، رسم نهج واضح في المصالحة الوطنية على صعيد القيادات السياسية وعلى الصعيد المجتمعي. كذلك في اتخاذ ما يمكن من الاجراءات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية، التي من شأنها ان تحارب الفساد وتخفف من معاناة الجماهير وتفعل الدورة الاقتصادية، كما تعالج قدر الامكان في الظروف الصعبة الحالية، قضايا الخدمات وتحسين ادارتها، وليس اقل شأنا من هذا كله، اتقان المواجهة الثقافية والفكرية والاعلامية، فالحرب النفسية تلعب دورا مهما في عالم اليوم وفي مثل هذا التطور العارم في الاتصال، وتمكـّن داعش ومن يقفون وراءها، او يساندونها لغرض في نفس يعقوب، من استخدام ادواتها بهذه الثقة بالنفس!
نحن بحاجة الى قيادة موحدة، قادرة على ضبط الامور وتوظيف كل عناصر القوة في وجهة واحدة، وضمن خطة موحدة، ومنع اي تشتت او تنابز او تنافس غير مشروع بين مراكز القوى، ويبقى من الضروري التذكير ان مراكمة عوامل الانتصار وتأمين ديمومتها وفعلها تتطلب الاتكاء على جماهير الشعب، على ارادة العراقيين الصادقة، سواء خارج مناطق هيمنة داعش او داخلها، الارادة القوية للخلاص من هذا الوباء الذي جرّع العراقيين المر والاذلال.
الحشد الشعبي كان ولا يزال ضرورة موضوعية
ما الموقف من الحشد الشعبي وتشكيل الحرس الوطني ؟
الحشد الشعبي، او لنقل الجبهة الشعبية لمواجهة داعش والتصدي لاجرامه، التي تأطرت في صيغة الحشد الشعبي، كان ولا يزال حاجة ضرورية موضوعية لمواجهة تمدد داعش ودحرها، خصوصا وان المؤسسة العسكرية قد اصابها ما اصابها، من ضعف وتفكك بعد الانهيار الذي حصل في الموصل وغيرها، وستبقى الحاجة قائمة لمثل هذا الجهد حتى التمكن من اعادة بناء القوات المسلحة والاجهزة الامنية وقدرتها على حماية امن الشعب وحدود الوطن.
وقد حددنا منذ البداية اهم المستلزمات التي نعتقد بضرورتها لبناء مؤسسة وطنية فاعلة، وتشكيل سند حقيقي للقوات المسلحة، وقلنا بضرورة بنائها بعيدا عن النزعات الضيقة ذات التوجهات الطائفية المليشياوية، وان لا تكون بديلا عن القوات المسلحة النظامية، بل داعماً ومسانداً لجهدها. كذلك ان لا تذهب بعيدا عن ضرورة بقاء السلاح حكرا بيد الدولة وتحت اشرافها.
وحينما تبنت الحكومة عند تشكيلها الوثيقة السياسية وتوصلت الى ضرورة تنظيم الجهد الشعبي في اطار مؤسسة قانونية ترعاها وتشرف عليها الدولة واجهزتها المسؤولة، أيدنا فكرة تشكيل الحرس الوطني لتسهيل مهمة الادارة والتنظيم وضمان التوجه السليم، فنحن لا نرى في الحرس الوطني مجرد تشكيل ميليشيات محلية تخضع لتوجهات سياسية ضيقة في هذه المحافظة او تلك، وانما ننطلق من ضرورة الاستعانة بابناء المحافظات في حفظ امن محافظاتهم، في اطار التوجيه الوطني والخطة الوطنية الشاملة والقيادة الموحدة. لهذا نرى ان احدى الآليات والاجراءات السليمة المعجلة لضبط نشاط الحشد الشعبي، وضمان حقوق ابنائه المتطوعين فيه وهم يقومون باعمال بطولية ويقدمون تضحيات غالية، ولمنع التجاوزات والانتهاكات التي تؤشر هنا وهناك، تتمثل في الانتهاء من تشريع قانون الحرس الوطني واقراره بشكل عاجل، وبما يضمن تجسيد الاسس اعلاه.
نعم للدعم الدولي على اساس ارادة العراقيين
كثر الجدل بشأن التحالف الدولي وجدوى ما يقدمه، كذلك عن الدور الايراني، ماذا تقولون ؟
عانى العراق كثيرا من الغاء المؤسسة العسكرية السابقة، وتعثر عملية اعادة بناء القوات المسلحة الجديدة، الامر الذي سهل انهيار القوات المسلحة في الموصل، وفي غيرها من المحافظات بعد هجمة داعش، وقد اشرنا في ما تقدم الى ملامح الثغرات التي رافقت ذلك وكانت في اساس البناء الخاطئ للقوات المسلحة. اما وقد وضع العراق امام هذا الهجوم الغادر والعمل المتوحش، واستعصى عليه تدبير امر المواجهة بمفرده في هذه اللحظة التاريخية الملموسة، وحيث ان الخطر الداهم لا يهدد سلامة العراق والعراقيين وحدهم، وانما هو خطر حقيقي ذو بعد اقليمي وعالمي، فان الامر استلزم ان تتوجه الحكومة العراقية نحو المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة ومجلس امنها اولا، والى من تربطه معهم اتفاقات ومعاهدات ثانياً، ثم الى كل الاشقاء والاصدقاء من الدول المجاورة ثالثاً، طالبا الدعم متعدد الجوانب، السياسي والعسكري والمالي، لمواجهة هذا الوحش الكاسر المسمى داعش.
فالعراق وبسبب ما سبق ذكره يحتاج الى السلاح والعتاد بعد ان دمرت صناعته العسكرية، فيما العدو يمتلك الكثير منهما، والعراق لا يملك القوة الجوية الكافية لاحراز تفوق عسكري على داعش وهو ينشط في مناطق شاسعة ووعرة، والعراق يحتاج الى الخبرة والتأهيل وتدريب قواته المسلحة على هذا النمط من انماط المواجهة. فهو بحاجة الى الدعم الدولي - الاقليمي، سواء كان من امريكا او من ايران، وهذا الدعم يمكن ان يكون مبررا وفعالا وسليما اذا ما بني على اساس احترام ارادة العراقيين واستقلالية قرارهم السياسي، وضمان سيادتهم الكاملة دون التدخل?في الشؤون الداخلية العراقية، وبما ينسجم مع قرارات مجلس الامن 2170، 2178، 2199.
بعيدا عن روح الانتقام والثأر
المصالحة الوطنية في العراق، والمرحلة الانتقالية في سوريا، هما ما ركز عليه اجتماع باريس يوم 2 حزيران الجاري. فهل من ترابط بين الاوضاع في البلدين؟
مع تغيير النظام وسقوط الدكتاتورية (نيسان 2003) والتوجه لصياغة الدستور، شددنا كحزب، ومعنا العديد من القوى المدركة لحقائق الوضع العراقي، على ضرورة المصالحة الوطنية، ومعالجة آثار الاختلالات السياسية والمجتمعية التي انتجها النظام الدكتاتوري المباد، كما اكدنا ضرورة عزل المجرمين والمتورطين في سفك الدم العراقي وفي تخريب العراق، عن العناصر والاوساط التي لا تتحمل وزر ومسؤولية جرائم الدكتاتورية المبادة. كذلك شددنا على اعتماد القانون والقضاء وسيلة اساسية ورئيسية في تصفية الملفات، وفي فرز القوى على اساس الحقائق والمعطيات والقرائن بعيدا عن الانتقام والثأر، ففي ذلك ربح للعراق شعبا ووطنا ودولة، وفتح صفحة جديدة في مسيرة بناء العراق الجديد المدني الديمقراطي الاتحادي المستقل، وذي السيادة. ولكن للأسف عانت ادارة عملية المصالحة من توجهات غير سليمة ونوايا غير طيبة واجراءات غير حكيمة، ومن ممارسات غير طبيعية اثرت سلبا على انجاز هذا المشروع الضروري، بل وساعدت الادارة السيئة على جعله احد الملفات المعقدة والمولدة للتنافر والتوتر والجفاء ومن ثم الخصام. وقد استغلت تلك الفجوات من قبل اعداء العراق واستثمرتها داعش لمصلحة مشاريعها الدنيئة في وطننا.
واليوم كما اسلفنا، ونحن نسعى لتوفير مستلزمات المواجهة الحقيقية والفعالة لمشروع داعش التخريبي، نرى بان تفعيل الجهد من اجل مصالحة وطنية حقيقية، سياسية ومجتمعية، هو ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل والمماطلة، ولا تقبل التسويف بتحويلها الى مجرد خطابات فوقية او مؤتمرات او مهرجانات شكلية، او مجرد توزيع للاموال والاسلحة، وانما نريد ان تكون بمثابة تحول في التوجه، بما يسند بناء الوحدة الوطنية على اسس صحيحة، ووفق برنامج يضمن بناء عراق جديد بموجب الدستور المعتمد، ويؤمّن خوض مواجهة حقيقية مع داعش ومن يقفون خلفه، وقد ضمّنا موقفنا من المصالحة وضرورتها وآنيتها في مذكرة قدمناها اخيرا الى الرئاسات الثلاث والكتل والاحزاب السياسية.
اما بشأن مسألة علاقة العراق بسوريا، فاعتقد ان الربط بين القضيتين جاء في اجتماع باريس ضبابيا وينطوي على احتمالات سيئة، نعم داعش شكـّل "دولة" تضم المناطق المحتلة من قبله في سوريا والعراق، وتنامى خطر داعش على العراقيين من خلال ما حققه في بلدنا، مثل احتلال الموصل، وما احرزه من نجاحات عسكرية وامنية كبيرة في الاراضي السورية، بدعم واسناد مالي وتسليحي ومعلوماتي وبشري من قبل الامريكان والاوربيين وتركيا ودول الخليج وبالذات السعودية وقطر، تحت عنوان اسناد المعارضة السورية المعادية للحكم هناك، ولا نزال ندفع كعراقيين ثمن هذا السلوك السياسي قصير النظر والمعادي للشعوب، الذي اعتمد في معالجة المشكلة السورية.
نعم بهذا القدر وبحكم غياب السيطرة على الحدود، تتفاعل امكانات داعش في العراق وسوريا، عبر التحشيد والمناقلة للقوى والمعدات لايذاء العراق.
وبالتالي نستطيع القول ان هزيمة داعش في العراق ستساعد على هزيمته في سوريا، ولكن ليس من الصحيح ربط مصير الحرب على داعش في العراق، بما يجري في سوريا من تسوية لقضية الحكم واعادة بنائه فيه.
هذا ربط تعسفي يراد منه اطالة امد الحرب في العراق، وتوريطه في القضية السورية ومنتجاتها السلبية، وبالتالي نقل بعض معطياتها السلبية والسيئة الى الارض العراقية، ونحن عندنا ما يكفي من المشاكل والتعقيدات، ولسنا في حاجة الى اضافات جديدة.
هنا لا بد من تأكيد ضرورة مراعاة خصوصية كل من الملفين، رغم ما بينهما من وشائج وصلات وقضايا مشتركة، ولتجنيب العراق التعقيدات السلبية العديدة الناجمة عن سلوك ومواقف حكام امريكا ودول اوربا وتركيا، وكذلك السعودية وقطر ازاء الملف السوري.
كل الدعم للمقاومة في المناطق المبتلية بداعش
هناك من يقول ان ابناء المناطق التي ابتليت بداعش لم يتلقوا بعد رسالة تطمين بشأن ما بعد داعش. هل الامر كذلك حقا؟
لا تزال هناك حاجة لسياسة ديناميكية وفعالة لتعبئة وتحشيد ابناء المناطق التي ابتليت بهجمة داعش وممارسات دولته الشاذة. فلقد عانى الكثير من ابناء شعبنا من ممارسات واجراءات هذا التنظيم او الدويلة النشاز، على اختلاف قومياتهم واديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، والتي وصلت حد ارتكاب المجازر وجرائم ابادة البشر، وإذ نتحدث عن ابناء هذه المناطق، لا بد ان نضع في الاعتبار ظروفهم وامكانيات تحركهم واشكال التعامل معهم، فرغم كل الظروف العصيبة لا بد من ملاحظة ان هناك العديد من مظاهر المقاومة المسلحة لداعش، فضلا عن المقاومة السياسية المنظمة، تضاف الى ذلك رغبة ابناء هذه المناطق الذين اجبروا على النزوح الى خارجها، وهم يبدون حماسا كبيرا للتطوع والانتظام في القوات المسلحة او الحشد الشعبي، او في فصائل مقاومة، كل هذا يؤشر ضرورة بذل جهد استثنائي لتعبئة وتنظيم مقاومة من هم ادرى بشعاب المنطقة، وتقديم كل الضمانات لهم، وتوفير الاجواء المحفزة والمشجعة والدعم اللوجستي المعنوي، كي ينهضوا بهذه المهمة بثبات وجرأة وصبر، وهم يواجهون وحشاً كاسراً.
نعم هناك حاجة لان تتخذ الحكومة من الاجراءات ما يساعد على عودة النازحين بعد تحرير مدنهم، الى مناطق سكناهم، وتقديم افضل الدعم لاعادة اعمارها وضمان امنهم واستقرار حياتهم، كي يكونوا عنصرا ملهما ومشجعا للآخرين في المناطق المحتلة على طرد داعش، ولا يقل عن ذلك اهمية ضبط بعض الممارسات، التي نددت بها وادانتها كل القوى السياسية والتي لصقت ببعض المحسوبين على الحشد الشعبي، كي تكون رسالة اطمئنان ورسالة ثقة بان ما سيأتي بعد داعش سيكون مسيرة جادة مفعمة بالامن والتنمية والوحدة الوطنية.
الحزب قاوم داعش بكل ما يملك
اين الحزب الشيوعي من هذه المعركة الواسعة ضد منظمات الارهاب وداعش؟
يعتبر الحزب الشيوعي العراقي هذه المعركة، بكل صدق ومسؤولية، معركته، فهو قد سعى منذ البداية وقبل ان يتمكن داعش من اقامة "خلافته"، الى طرح الافكار والسياسات والمقترحات التي من شأنها سحب البساط من تحت اقدام الارهاب والارهابيين، ومنع تغولهم، وعزلهم جماهيريا وحرمانهم من استغلال الفرص لتحقيق مشروعهم التكفيري - الظلامي، والسعي لتعبئة القوى وتحشيد الجماهير، فضلا عن اللقاء مع المسؤولين وذوي الشأن، للترويج لنهج الحزب ومواقفه الساعية الى اجهاض مشروع داعش العداوني، وحينما صم المتنفذون آذانهم عن سماع تلك النداءات والتحذيرات والمناشدات المخلصة، وتمكن داعش من تنفيذ مخططه الاجرامي باحتلال الموصل وغيرها من المدن، وقف الحزب بكل ما استطاع، وبما يتوفر لديه من امكانيات محدودة، في مواجهة هذه الظاهرة الشائنة والطارئة على مجتمعنا، والتنبيه الى مخاطر انفلات الوحش وتقدمه السريع بعد انهيار المؤسسة العسكرية.
في تلك اللحظات الحاسمة وجه الحزب نداءه الى كل ابناء الوطن على اختلاف مشاربهم وافكارهم، للتصدي السريع لاندفاعة داعش، وتحمل الحزب جزءا كبيرا من عبء التعبئة السياسية الجماهيرية ورفع المعنويات، وجند رفاقه ومنظماته ومؤسساته الاعلامية لاستنهاض ارادة الشعب، وتعزيز نهج المقاومة لداعش بكل الوسائل المتاحة، داعيا الى الصمود وتشكيل اللجان الشعبية في كل انحاء العراق من القوى والشخصيات والمنظمات الجماهيرية ورجال العشائر لمواجهة الكارثة، وعندما تبلورت كل النداءات المتعددة في صيغة الحشد الشعبي، وجه الحزب كوادره واعضاءه وانصاره واصدقاءه ومريديه، كلا وفق استطاعته وامكانياته، لاسناد هذا المشروع ودعمه، وتطوع المقتدرون والراغبون في تشكيلات القوات المسلحة بانواعها، او في الحشد الشعبي وفقا للضوابط اعلاه. وتجنب الحزب فكرة تشكيل ميليشيا مسلحة خاصة به، ايمانا منه بخطأ هذا التوجه، وتمسك بموقفه وتوجهه الجاد لبناء الدولة ومؤسساتها الشرعية، وضرورة ان تكون هي وحدها الاطار الشرعي لقيادة العمل في مواجهة عدوان وجرائم داعش والارهاب، وان موقف الحزب هذا ينسجم تماما مع القانون والدستور. وقدمنا على هذا الطريق، طريق التصدي لداعش، الكثير من الشهداء والجرحى من اعضاء الحزب واصدقائه، ومن ابناء العوائل المناصرة له، ومن ناخبيه.
ولم تقتصر جهود الحزب على هذا، بل بادر وساند تنظيم فصائل المقاومة المسلحة خلف خطوط العدو، حيث يساهم رفاقنا واصدقاؤنا في التصدي والهجوم على مرتكزات داعش، ولا بد من الاشارة الى مساهمة رفاقنا في الحزب الشيوعي الكردستاني في صفوف البيشمركة، علما ان مساهمة الشيوعيين والحزب لا تقتصر على المجال العسكري، فمن نواتج المعركة كثير من الامورالتي يتوجب التصدي لها، وقد تطوع مئات الشيوعيين في اطار مبادرات خاصة بالحزب، او ضمن منظمات المجتمع المدني، لاحتضان النازحين وتسهيل استقرارهم وتقديم الدعم المادي لهم، من البسة واغذية وادوية، وساهم رفاقنا خارج الوطن بقسط مشرف في هذه الحملة.
وكان للشيوعيين ايضا دور مشهود في تشكيل الفرق الطبية، سواء باسم العيادة الطبية الشيوعية او بافتتاح بعض العيادات الطبية المجانية، او تنظيم فرق جوالة في مدن العراق لمعالجة المرضى من النازحين، او المساهمة في الفرق التي تشكلها منظمات المجتمع المدني او فرق التيار الديمقراطي.
ويلعب الشيوعيون دوراً كبيراً في مواجهة الحرب النفسية الشعواء التي تشنها منظمات الارهاب ومؤازروها. وعلى امتداد الوطن تنهض منظمات الحزب ورفاقه بدور ملموس في فضح دعايات واكاذيب داعش ومؤازريها، وفي نشر الحقيقة وتعزيز روح الصمود والمقاومة للمشروع الطائفي.
وتقوم وسائل اعلام الحزب بدور مجيد في استنهاض الهمم والحفز على المقاومة، وطرح الافكار والمقترحات والسياسات التي تساعد على رسم التوجهات الصحية لمواجهة داعش، وتعبئة ابناء الشعب بالوجهة الصحيحة، وتعرية الافكار والتخرصات الاجرامية.
ويستمر الحزب، وهو يواصل تعبئة الناس، في تقديم تصوراته وما يستخلصه من دروس، وما يتوصل اليه من قناعات وسبل افضل وآليات اجدى لتعزيز مواجهة داعش، عبر ما ينشر من وثائق عن اجتماعات لجنته المركزية، وما يصدر من تصريحات وبيانات تتناول كل تفاصيل الاحداث والظواهر المهمة في حياة البلد، كذلك تقديم المذكرات والرسائل واجراء اللقاءات المباشرة مع عناصر الحكومة القائمة.
سوف نبقى دائمي الحضور كحزب، وكتيار ديمقراطي وتحالف مدني ديمقراطي، واينما كنا، متأهبين لاسناد جهد الشعب العراقي وقواه الوطنية والتقدمية والديمقراطية، لن نجزع ولن نيأس، ولنا في ارادة شعبنا وتعبئة قواه ومساهمة جماهيره، العون والسند الكافيين لتحقيق التوجهات الصحيحة ودحر داعش، ووضع العراق على الطريق السليم، لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية المستقلة الموحدة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire