mardi 16 juin 2015

لا احد يذهب.. لا احد يجيء، تلك هي الموصل



لا احد يذهب.. لا احد يجيء، تلك هي الموصل

كأنه السبات او السكون الذي ينذر بعاصفة قادمة بعد عام من المأساة.

جدار قاتم يحاصر عشرات الوف من السكان المحليين وقد افاقوا على حاكمية جديدة، حاكمية من ايقوناتها ورموزها الاصبع المشهر الى الاعلى دلالة على التوحيد، السواد القاتم الذي يميز ملابس القوم فضلا عن اقنعتهم، ذيول البقر التي تستخدم لجلد ظهور المخالفين، العصي والهراوات لتطبيق احكام الحسبة وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضلا عن السكاكين والسيوف المشحوذة لقطع الايدي والرؤوس وسلاح الجيش العراقي المنسحب الذي صار في اليد، تلك هي صورة مكثفة ومحتشدة للموصل من على شاشة مرتجفة ومهتزة وكاميرا سرية سجلت ما توصلت اليه من خلال مابثته احدى الشبكات الاعلامية العالمية على شكل مقاطع فيديو استطاع مراسلها التقاطها بصعوبة وتسريبها في اجواء الموصل في حقبتها الراهنة من حكم داعش بعد عام من احتلالها.
"الموصل تعيش وضعا مأساويا، فالفتيات لا يخرجن على الأطلاق كذلك هناك قيود على حركة الصبية، فهم يقولون إن كل شيء حرام. ليس هناك من وظائف". هذا ما قالته الفتاة مريم لمراسل الشبكة الاعلامية وهو قول يختصر كثيرا من الكلام.
واما ما عدا هذا فتسريبات، شهادات شهود العيان وسكان المدينة تلتقي عند مكابدات عيشهم لجهة نقص الوظائف والبطالة والخوف وبقاء النساء حبيسات البيوت بعد فرض النقاب عليهن وان لا يتحركن الا بصحبة محرم فضلا عن تملك داعش للاراضي والاملاك التي تعود لسكان الموصل النازحين من عرقيات اخرى في مقدمتها المسيحيون حيث انتشر حرف (ن) على جدران تلك البيوت التي صارت غنيمة وحلالا زلالا لداعش بعد هرب المسيحيين رجالا ونساء واطفالا مشيا على الاقدام وقد سُلبوا كل ممتكاتهم.
صورة موازية للخوف من ردود الافعال التي تخشى داعش ان تظهر بين السكان، تقول التسريبات ان البصاصين والجواسيس في كل مكان يقتفون اثر الناس لكن الطامة الكبرى هي انخراط جيل كامل من شباب الموصل في صفوف داعش تخلصا من البطالة والفقر وهو ما اقدم عليه سكان قرى الموصل واريافها اكثر من غيرهم.
الموصل مغلقة ابوابها فلا احد يجيء ولا احد يذهب والاصوات مخنوقة هناك فالموصل اليوم هي موصل نظام وحكم شريعة ما يسمى "الدولة" التي يقودها البغدادي والطائرات المقاتلة تحوم صباح مساء اما لأغراض الاستطلاع او القصف على اهداف محددة لكن ذلك لم يضعف داعش ولا سطوتها الكاملة على كل شيء في المدينة ولم يخفف من قبضتها. ففيما الادارة الاميركية تصدح ليل نهار بإنجازات تحققها قاصفاتها وطائراتها المسيرة الا ان واقع الحال المعاش يشير الى غير ذلك فداعش لم تضعف ولم يتوقف تمددها ولا التواصل بين الساحتين العراقية والسورية اللتان تحتل داعش عددا من مدنهما، سقوط الحواجز ونقاط الحدود خاصة نقطتي اليعربية والوليد تحت سمع اميركا وبصرها دليل دامغ آخر على من يملك زمام المبادرة على الارض وذاك الذي يحلق في السماء.
الموصل اليوم بساحليها العريقين الايمن والايسر او الشرقي والغربي اكملت عاما خارج سيطرة الحكومة العراقية وخارج قدرة تحالف من عشرات الدول من تغيير الواقع القائم على الارض، يشرح هشام، المواطن الموصلي لمراسل تلك الشبكة الاعلامية واقع الحال المعاش قائلا: "من كانوا يعملون بالجيش ومن كانوا يشغلون وظائف برواتب يومية لم يعد لهم أي مصدر دخل فليس هناك من وظائف. الأثرياء يعيشون على مدخراتهم. كذلك فإن رواتب اصحاب الوظائف تكفيهم بالكاد. أما الفقراء فليس لهم غير رحمة الله." يسرد هشام ذكرياته مع قوانين هؤلاء المتشددة بالقول "الدولة الإسلامية تأخذ ربع رواتب الجميع كمساهمة في جهود اعادة البناء المدينة. الناس لا تستطيع ان ترفض الدفع وإلا ستطبق عليهم عقوبات قاسية."
الموصل بعد عام هذه هي خلاصة من خلاصات ما تعيشه، انسداد لم تشهده المدينة العريقة في كل تاريخها القريب والبعيد، فميزتها التي لا يختلف عليها اثنان هي محافظتها طيلة عقود على طابعها الاثني والثقافي والانساني وموقعها الفريد الذي جعلها درة مميزة في الخارطة العراقية، الموصل اليوم مقتطعة تماما عن الجسد العراقي وسكانها يشعرون انهم غرباء عنها ومدينتهم غريبة عنهم، وهم محاصرون بواقع لم تألفه المدينة ولا عاشته في اي زمن.
الحياة راكدة ومتكلسة والموت قاب قوسين او ادنى والمستقبل مبهم: اتراه قرار نهائي من اصحاب القرار والجاه والصولجان لما بعد سايكس بيكو بسلخ الموصل نهائيا عن انتمائها الجغرافي والانساني والتاريخ والاجتماعي العراقي وابقاء الحال على ماهو عليه الى ما لا نهاية؟ هل حقا ما يجري تداوله من خطط لتحرير الموصل قريبا؟
خلال هذا الواقع المتذبذب لا احد يذهب الى الموصل ولا احد يجيء منها وكأنه السبات او السكون الذي ينذر بعاصفة قادمة بعد عام من المأساة.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: طاهر علوان



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire